فصل: الخبر عن حركة السلطان عبد العزيز على تلمسان واستيلائه عليها ونكبة أبي حمو وبني عامر بالدوس من بلاد الزاب وخروج أبي زيان من تيطري إلى أحياء رياح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن خروج أبي زيان بالقاصية الشرقية من بلاد حصين وتغلبه على المرية والجزائر ومليانة وما كان من الحروب معه:

لما انهزم السلطان أبو حمو بساحة بجاية عشي يومه من أوائل ذي الحجة خاتم سنة سبع وستين وسبعمائة قرع الأمير أبو زيان طبوله واتبع أثره وانتهى إلى بلاد حصين من زغبة وكانوا سائمين من الهضيمة والعسف إذا كانت الدول تجريهم مجرى الرعايا المعتدة في المغرم وتعدل بهم عن سبيل إخوانهم من زغبة أمامهم ووراءهم لبغية الغزو فبايعوه على الموت الأحمر ووقفوا بمعتصم من جبل تيطري إلى أن دهمتهم عساكر السلطان ثم أجلبوا على المرية وكان بها عسكر ضخم للسلطان أبي حمو لنظر وزرائه: عمران بن موسى بن يوسف وموسى بن برغوث ووادفل بن عبو بن حماد ونازلوهم أياما لهم غلبوهم على البلد وملكها الأمير أبو زيان ومن على الوزراء ومشيخة بني عبد الواد وترك سبيلهم إلى سلطانهم وسلك سبيلهم الثعالبة في التجافي عن ذل المغرم فأعطوه يد الطاعة والانقياد للأمير أبي زيان وكانت في نفوس أهل الجزائر نفرة من جور العمال عليهم فاستمالهم بها سالم بن إبراهيم بن نصر أمين الثعالبة إلى طاعة الأمير أبي زيان ثم دعا أبو زيان أهل مليانة إلى مثلها فأجابوه واعتمل السلطان أبو حمو نظره في الحركة الحاسمة لدائهم فبعث في العرب وبذل المال وأقطع البلاد على أشطاط منهم في الطلب وتحرك إلى بلاد توجين ونزل قلعة بني سلامة سنة ثمان وستين وسبعمائة يحاول طاعة أبي بكر بن عريف أمير سويد فلم يلبث عنه خالد بن عامر ولحق بأبي بكر بن عريف واجتمعا على الخلاف عليه ونقض طاعته وشنوا الغارة على معسكره فاضطرب وأجفلوا وانتهبت محلاته وأثقاله ورجع إلى تلمسان ثم نهض إلى مليانة فافتتحها وبعث إلى رياح على حين صاغية إليه من يعقوب بن علي بن أحمد وعثمان بن يوسف بن سليمان بن علي أميري الزواودة لما كان وقع بينهما وبين السلطان مولانا أبي العباس من النفرة فاستنظره للحركة على الأمير أبي زيان وبعدها إلى بجاية وضمنوا له طاعة البدو من رياح وبعثوا إليه رهنهم على ذلك فردها وثوقا بهم ونهض من تلمسان وقد اجتمع إليه الكثير من عرب زغبة ولم يزل أولاد عريف بن يحيى وخالد بن عامر في أحيائهما منحرفين عنه بالصحراء وصمم إليهم فأجفلوا أمامه وقصد المخالفين من حصين والأمير أبا زيان إلى معتصمهم بجبل تيطري وأغذ إليه السير يعقوب بن علي وعثمان بن يوسف بمن معهم من جموع رياح حتى نزلوا بالقلعة حذاءهم وبدر أولاد عريف وخالد بن عامر إلى الزواودة ليشردوهم عن البلاد قبل أن تتصل يد السلطان بيدهم فصبحوهم يوم الخميس أخريات ذي القعدة من سنة تسع وستين وسبعمائة ودارت بينهم حرب شديدة وأجفلت الزواودة أولا ثم كان الظهور لهم آخرا وقتل في المعركة من زغبة عدد ويئسوا من صدهم عما جاؤا إليه فانعطفوا إلى حصين والأمير أبي زيان وصعدوا إليهم بناجعتهم وصاروا لهم مددا على السلطان أبي حمو وشنوا الغارة على معسكره فصمدوا نحوه وصدقوه القتال فاختل مصافه وانهزمت عساكره ونجا بنفسه إلى تلمسان على طريق الصحراء وأجفل الزواودة إلى وطنهم وتحيز كافة العرب من زغبة إلى الأمير أبي زيان واتبع آثار المنهزمين ونزل بسيرات وخرج السلطان أبو حمو في قومه ومن بقي معه من بني عامر وتقدم خالد إلى مصادمته ففله السلطان وأجفل القوم من ورائه ثم تلطف في مراسلته وبذل المال له وأوسع له في الاشتراط فنزع إليه والتبس بخدمته ورجع الأمير أبو زيان إلى أوليائه من حصين متمسكا بولاية أولاد عريف ثم نزع محمد بن عريف إلى طاعة السلطان وضمن له العدول بأخيه عن مذاهب الخلاف عليه وطال سعيه في ذلك فاتهمه السلطان وحمله خالد بن عامر عدوه على نكبته فتقبض عليه وأودعه السجن واستحكمت نفرة أخيه أبي بكر ونهض السلطان بقومه وكافة بني عامر إليه سنة سبعين وسبعمائة واستغلظ أمر أبي بكر فجمع الحرث بن أبي مالك ومن وراءهم من حصين واعتصموا بالجبال من دراك وتيطري ونزل السلطان بجموعه لعود بلاد الديالمة من الحرث فانتسفها والتعمها وحطم زروعها ونهب مداثرها وامتنع عليه أبو بكر ومن معه من الحرث وحصين والأمير أبي زيان بينهم فارتحل عنهم وعطف على بلاد أولاد عريف وقومهم من سويد فملأها عيثا وخرب قلعة ابن سلامة لما كانت أحسن أوطانهم ورجع عليهم إلى تلمسان وهو يرى إن كان قد شفا نفسه في أولاد عريف وغلبهم على أوطانهم ورجع عليهم منزلة عدوهم فكان من لحاق أبي بكر بالمغرب وحركة بني مرين ما نذكره.

.الخبر عن حركة السلطان عبد العزيز على تلمسان واستيلائه عليها ونكبة أبي حمو وبني عامر بالدوس من بلاد الزاب وخروج أبي زيان من تيطري إلى أحياء رياح:

لما تقبض أبو حمو على محمد بن عريف وفرق شمل قومه سويد وعاث في بلادهم أجمع رأي أخيه الأكبر الصريخ بملك المغرب فارتحل إليه بناجعته من بني مالك أجمع من أحياء سويد والديلم والعطاف حتى احتل بسائط ملوية من تخوم المغرب وسار إلى أخيه الأكبر ونزمار بمقره من شرمرادة الذي اختصه بارجاع وادي ملوية في ظل دولة بني مرين وتحت جوارهم لما كان ملاك أمرهم بيده ومصادرهم عن آرائه خطة ورثها عن أبيه عريف بن يحيى مع السلطان أبي سعيد وابنه أبي الحسن وابنه أبي عناق فتقتل ملوك المغرب مذاهب سلفهم فيه وتيمنوا برأيه واستأمنوا إلى نصيحته فلما قدم عليه أخوه أبو بكر مستحفيا بملك المغرب وأخبر باعتقال أخيه الآخر محمد قدح عزائمه وأوفد أخاه أبا بكر ومشيخة قومهم من بني مالك على السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن منصرفه من افتتاح جبل هنتاتة وظفر بعامر بن محمد بن علي النازع إلى الشقاق في معتصمه فلقوه في طريقه ولقاهم مبرة وتكرمة واستصرخوه لاستنقاذ أخيهم فأجاب صريخهم ورغبوه في ملك تلمسان وما وراءها فوافق صاغيته لذلك بما كان في نفسه من الموجدة على السلطان أبي حمو لقبوله كل من ينزع إليه من عربان المعقل أشياع الدولة وبدوها وما كان بعث إليه في ذلك وصرف عن استماعه فاعتزم على الحركة إلى تلمسان وألقى زمامه بيد ونزمار وعسكر بساحة فاس وبعث الحاشدين في الثغور والنواحي من المغرب فتواقف الحاشدون ببابه وارتحل بعد قضاء النسك من الأضحى سنة إحدى وسبعين وسبعمائة واتصل الخبر بالسلطان أبي حمو وكان معسكرا بالبطحاء فانكفأ راجعا إلى تلمسان وبعث في أوليائه عبيد الله والأحلاف من عرب المعقل فصمتوا عن إجابته ونزعوا إلى ملك المغرب فأجمع رأيه إلى التحيز إلى بنى عامر وأجفل غرة المحرم سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة واحتل السلطان عبد العزيز تلمسان في يوم عاشوراء بعدها.
وأشار ونزمار بن عريف بتسريح العساكر في اتباعه فسرح السلطان وزيره أبا بكر بن غازي بن السكاء حتى انتهى إلى البطحاء ثم لحق به هنالك ونزمار وقد حشد العرب كافة وأغذ السير في اتباع السلطان أبي حمو وأبي عامر وكانوا قد أبعدوا المذهب ونزلوا على الزواودة وسرح إليه السلطان يومئذ عبد العزيز يحملهم على طاعته والعدول بهم عن صحابة بني عامر وسلطانهم وسرح فرج بن عيسى بن عريف إلى حصين لاقتضاء طاعتهم واستدعاء أبي زيان إلى حضرته ونبذهم عهده وانتهيا جميعا إلى أبي زيان مقدمة أوليائه ولحق بأولاد يحيى بن علي ابن سباع من الزواودة وانتهيت أنا إليهم فخفظت عليهم الشأن في جواره لما كانت مرضاة السلطان وحذرتهم شأن أبي حمو وبني عامر وأوفدت مشيختهم على ونزمار والوزير أبي بكر بن غازي فدلوهما على طريقه فأغذوا السير وبيتوهم بمنزلهم على الدوس آخر عمل الزاب من جانب المغرب ففضوا جموعهم وانتهبوا جميع معسكر السلطان أبي حمو بأموالهم وأمتعته وظهره ولحق فلهم بمصاب ورجعت العساكر من هنالك فسلكت على قصور بني عامر بالصحراء قبلة جبل راشد التي منها ربا ولون ساعون إليها فانتهبوها وخربوها وعاثوا فيها وانكفؤا راجعين إلى تلمسان وفرق السلطان عماله في بلاد المغرب الأوسط من وهران ومليانة والجزائر والمرية وجبل وانشريس واستوثق به ملكه ونزع عنه عدوه ولم يبق به يومئذ إلا ضرمة من نار الفتنة ببلاد مغراوة بوعد من ولد علي بن راشد سخط خالد في الديوان ولحق بجبل بني سعيد واعتصم به فجهز السلطان الكتائب لحصاره وسرح وزيره عمر بن مسعود لذلك كما ذكرناه في أخبار مغراوة واحتقر شأنه وأوفدت أنا عليه يومئذ مشيخة الزواودة فأوسعهم حباء وكرامة وصدروا مملؤة حقائبهم خالصة قلوبهم منطلقة بالشكر ألسنتهم واستمر الحال إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم.